
وفيما يتعلق بالتكامل الأمني والعسكري، الذي كان حاسما في تأسيس المجلس في عام ١٩٨١ خلال الحرب الإيرانية العراقية، يضم مجلس التعاون الخليجي قوة “درع شبه الجزيرة”، التي نشطت آخر مرة في اليمن في عام ٢٠١٥.
إيران الان صاعدة في الشرق الأوسط، وتنشر نفوذها في قوس جغرافي متجاور من طهران إلى بغداد ودمشق وبيروت. وقد ولد صعودها، الذي بدأ مع الغزو الأمريكي للعراق عام ٢٠٠٣ وتسارعت وتيرتها عندما اندلعت الحروب الأهلية في سوريا واليمن، تصورا بأن إيران تطمح إلى أن تكون القوة المهيمنة في المنطقة. فإلى الولايات المتحدة وحلفائها إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة يشكل هذا الطموح تهديدا لا يطاق.
ومع ذلك، ترى إيران نفسها على أنها خرجت من العزلة المطولة وخنق العقوبات التي تعتبرها ظلما تاريخيا. وهي ترى منطقة تهيمن عليها قوى ذات قدرات عسكرية متفوقة. بعد الانتفاضات العربية في العام ٢٠١١، طبقت إيران القوة العسكرية لحماية حليف قديم، هو النظام السوري، معتبرة خسارته مقدمة محتملة لتطويقها. إن الفجوة في التصورات هي التي وضعت إيران ومنافسيها في دوامة تصعيدية من المعارك بالوكالة التي تدمر المنطقة. وخطوة أولى نحو سد الفجوة هي فهم أفضل لكيفية مناقشة إيران لسياستها الإقليمية وصياغة هذه السياسة.
وأبرز مظاهر هذه السياسة هو ما تسميه طهران “محور المقاومة”، وهو تحالف يضم إيران وسوريا وحزب الله، وأحيانا حماس ضد ما تعتبره هيمنة إسرائيلية وأمريكية في المنطقة. بعد عام ٢٠١١، عندما تعرض نظام الأسد للتهديد، مما عرض خط إمداد إيران إلى حليفه الآخر حزب الله للخطر، حولت الجمهورية الإسلامية عقيدتها العسكرية وإسقاط قوتها الإقليمية من قتال دفاعي في المقام الأول إلى قتال حربي استكشافي. فقد زادت إلى حد كبير من تواجدها العسكري في سوريا، وطبقت نموذج الدفاع الأمامي في اليمن كوسيلة منخفضة التكلفة لإبقاء المملكة العربية السعودية مقيدة.
وإن حزم القيادة السعودية الجديد هو جزئيا رد على تصورها للصعود الإيراني وطموحات الهيمنة. لطالما رفضت إيران الفكرة القائلة بأن الثورة الإسلامية أو الطائفية الشيعية هي الدافع وراء استراتيجيتها الإقليمية، مشيرة إلى دعمها للقضية الفلسطينية كدليل على أيديولوجيتها الإسلامية والمعادية للإمبريالية. وكما قال دبلوماسي إيراني رفيع المستوى: “سيكون من الحماقة أن تستخدم أقلية البطاقة الطائفية”. ولكن مع تعمق الحرب بالوكالة في سوريا بعد عام ٢٠١١ وغزو تنظيم “الدولة الإسلامية” لثلث العراق في عام ٢٠١٤، تخلت طهران حتى عن الادعاء بالبقاء فوق الصراع الطائفي. وبدأت في تجنيد الشيعة من جميع أنحاء المنطقة في الميليشيات التي تقاتل في العراق وسوريا، مما سهل الفظائع التي ارتكبوها في معاقل هذه البلدان السنية. وقد أثارت هذه الخطوة الاستياء وزودت الجماعات السنية المتطرفة بأداة تجنيد قوية.
وفي حين تواصل إيران إدخال عدم الاستقرار إلى المنطقة، تواصل القوى الرئيسية في الخليج القتال. في البداية كان الأمر يتعلق بالحرب في اليمن، ثم سوريا وإسرائيل، ثم حصص أوبك، والآن أصبحت التجارة عبر الحدود. إن وتيرة الخلافات بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تصل إلى درجة الحمى. ويتساءل مراقبو الخليج العربي عما إذا كان هذا الانهيار يشير إلى تحول أكبر في العلاقات الإقليمية. بدأت التصدعات تتعمق في فبراير الماضي، عندما أصدرت المملكة العربية السعودية إنذارا للشركات المتعددة الجنسيات بنقل مقارها الإقليمية إلى المملكة بحلول عام ٢٠٢٤ أو خسارة العقود الحكومية. واعتبر ذلك هجوما غير مباشر على دبي في الإمارات العربية المتحدة، المركز التجاري للمنطقة. بعد أن منع الإماراتيون صفقة أوبك بلس المقترحة، بدا أن السعوديين ينتقمون بتعليق رحلاتهم إلى الإمارات العربية المتحدة. كما أعلنت المملكة العربية السعودية أنها ستستبعد الواردات من المناطق الحرة أو المرتبطة بإسرائيل من اتفاقية تعريفة تفضيلية مع دول الخليج الأخرى، مما يوجه ضربة لاقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي يدور حول نموذج المنطقة الحرة.
ونتيجة لذلك، أنهى الاقتتال الداخلي بين السعودية والإمارات محور الخليج المناهض لإيران. وقد خفف كلا النظامين الملكيين من حدة التوترات مع طهران التي كانت حريصة منذ وقت ليس ببعيد على تأجيجها. وهنا أيضا نشهد عودة إلى الوضع الطبيعي أكثر. وهذا يلعب دورا كاملا في خطة إيران، لأن مثل هذا الصراع بين العملاقين في الخليج بمثابة إلهاء. بل على العكس من ذلك، فإن وجود فجوة موحدة سيكون أكثر فائدة للشرق الأوسط، لا سيما في الحد من الأجندة الإيرانية أو حتى وقفها.
وقد وافقت قمة العلا بشكل خاص على تعديل للمادة ٦ من اتفاقية الدفاع المشترك لتغيير اسم قيادة قوات “درع شبه الجزيرة” المشتركة إلى القيادة العسكرية الموحدة لمجلس التعاون الخليجي، ومقرها الرياض، ولكن من غير الواضح ما إذا كان سيكون أكثر فعالية من سابقتها. يتمتع مجلس التعاون الخليجي بقوة ونفوذ كبيرين في المنطقة بسبب اقتصاده القوي وعلاقاته مع الدول الغربية. ومن ثم، فهم لهم تأثير كبير عندما يتعلق الأمر بالاستقرار في المنطقة. وعلى الرغم من أن هذا التحالف القوي ضروري من أجل امن وازدهار المنطقة، إلا أنه أصبح من غير الواقعي التفكير فيه. وعلى العموم، يحتفظ مجلس التعاون الخليجي إلى حد كبير بنفس الإطار المؤسسي الذي كان عليه دائما. ولكن ما تغير هو توجه الدول الأعضاء نحو المنطقة الأوسع. ومع ظهور تصورات مختلفة عن كل دولة عضو فيما يتعلق بالإسلام السني وإيران وإسرائيل، من غير المرجح أن يتم التوحيد في مجال السياسة الخارجية، على الرغم من أنه قد يتم إحراز تقدم من حيث تسهيل حرية تنقل المواطنين والاندماج الاقتصادي المحتمل. ومع ذلك، ومع استعادة المجلس نفسه مؤخرا فقط، من غير الواضح مدى الثقة التي تكمن وراء الخطاب حول تعزيز التعاون والتكامل الإقليميين.
1 thought on “كيف يمكن لتعاون أعمق بين دول مجلس التعاون الخليجي ان يقف ضد العدوان الإيراني”