
التحول في تحالفات على منطقة الخليج
منذ مدة قصيرة، وبسبب عدد من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية، بدأت دول مجلس التعاون الخليجي في الخروج من ظل المملكة العربية السعودية. ومن الأمثلة القوية على ذلك توقيع اتفاقات إبراهيم، التي يسرتها الولايات المتحدة، والتي تم من خلالها تطبيع العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة والبحرين وإسرائيل. ومنذ توقيع اتفاقات إبراهيم، وبصرف النظر عن الروابط الدبلوماسية، حصلت العلاقات الاقتصادية بين كل من الإمارات وإسرائيل على دفعة كبيرة. كما قامت دولتان من خارج مجلس التعاون الخليجي، هما السودان والمغرب، بتطبيع العلاقات مع إسرائيل بموجب اتفاقات إبراهيم. ليست الإمارات العربية المتحدة والبحرين لوحدهما، فهنالك دول أخرى من مجلس التعاون الخليجي، بما فيها المملكة العربية السعودية، تعمل على تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وفي حين تحسنت العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة، ألمح وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود في وقت سابق من هذا الشهر إلى أنه من غير المرجح أن تنضم المملكة العربية السعودية إلى اتفاقات أبراهام حتى يتم حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ومن المرجح أيضا أن تلعب دول مجلس التعاون الخليجي دورا مهما في أفغانستان بعد التطورات الأخيرة.
وإذا نظرنا إلى حالة قطر، فإنها تستضيف مكتباً لحركة طالبان في الخارج منذ عام ٢٠١٣، وكانت الدوحة مكاناً لمحادثات السلام بين أفغانستان وبين الحكومة الأفغانية السابقة وحركة طالبان. لقد برزت قطر كلاعب مهم في عملية السلام الأفغانية. وفي الواقع، تسببت علاقات قطر مع طالبان أيضا في توتر العلاقات مع الدول العربية الأخرى. في عام ٢٠١٧، قطعت ثلاث دول في مجلس التعاون الخليجي، وهي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين، علاقاتها الدبلوماسية مع الدوحة بسبب صلاتها مع طالبان.
أفغانستان – عهد جديد للمنطقة
قال مسؤول خليجي رفيع المستوى إن استيلاء طالبان على أفغانستان زلزال مدمر سيغير الشرق الأوسط لسنوات عديدة، محذرا من أن الجماعة المسلحة هي نفسها أساساً كما كانت في المرة السابقة التي كانت فيها في السلطة، على الرغم من وعود الحركة بالاعتدال. وقال المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن هويته ان الانسحاب الاميركي السريع والفوضوي يثير ايضا تساؤلات جدية لدول الخليج حول قيمة الوعود الاميركية خلال السنوات العشرين المقبلة. وقد بدأت العديد من دول الخليج بالفعل في إعادة معايرة سياستها الخارجية لتأخذ في الاعتبار تراجع اعتماد الولايات المتحدة على النفط والانعزال الشعبي المتزايد للولايات المتحدة، لكن المسؤول قال إنه يتوقع الآن أن تتسارع هذه العملية، مما يؤدي إلى إعادة تنظيم التحالفات والرغبة في أن يقيم بعض المنافسين التاريخيين علاقات أكثر واقعية.
وسيكون الهدف العام هو تخفيف حدة التوترات في المنطقة. وتجري محادثات سرية بين المملكة العربية السعودية والحكومة الإيرانية الجديدة لمعالجة صعود طالبان مؤخرا والآثار التي يمكن أن تترتب على ذلك على المنطقة. وتركز المحادثات على إيجاد سبل لتخفيف بعض الضغوط التي تلوح في الأفق في المنطقة. ومن المرجح أن تراقب دول الخليج كيفية تعامل روسيا والصين مع الفراغ الأمني والتهديدات المتصورة في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة، والتخلي عن آسيا الوسطى في جميع المسائل العملية. وهذا من شأنه أن يخبر دول الخليج إلى أي مدى قد تكون روسيا والصين بديلين قابلين للتطبيق لمظلة أمنية أمريكية لم تعد موثوقة في الشرق الأوسط.
الخطوات القادمة لدول مجلس التعاون الخليجي
الخطوات القادمة لمجلس التعاون الخليجي في إثر التغيرات السريعة داخل أفغانستان قد استقبلت بحذر في الشرق الأوسط الأوسع. ولكن ردود فعل مختلف الجهات السياسية الفاعلة تجاه إعادة ظهور طالبان تسترشد أيضاً بخطوط الصدع السياسية التي تهيمن على سياسات الشرق الأوسط. وهذه المرة، يبدو شركاء طالبان التقليديون في الخليج مترددين، أو على الأقل ليسوا في وضع مثالي في التعامل بسهولة مع الجماعة. وكانت السعودية والإمارات قد أغلقتا بعثتيهما الدبلوماسيتين في كابول في منتصف أغسطس، مما يشير إلى أن الثقل الخليجي لم يحافظ على أي روابط عبر القنوات الخلفية مع الجماعة، وقررا التكتم إلى أن تتضح الصورة السياسية في كابول.
كما تتيح الأزمة في أفغانستان لدول الخليج فرصة فريدة لإظهار فائدتها لحلفائها الغربيين، ولا سيما الولايات المتحدة. تستضيف قطر والإمارات والكويت والبحرين بالفعل آلاف الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من أفغانستان. ومع ذلك، فإن النطاق الترددي السياسي لدول الخليج أكبر من كونه مجرد مراكز عبور للاجئين الأفغان. وقد أرسلت الإمارات العربية المتحدة بالفعل مساعدات طبية وغذاء كجزء من التزامها بتقديم المساعدات الإنسانية. وبما أن المساعدات الخارجية تشكل عنصرا رئيسيا في ميزانية التنمية في البلاد، يمكن لقادة الخليج استخدام قوتهم المالية الكبيرة لدعم المشاريع التنموية في أفغانستان بالإضافة إلى المساعدات لتحسين البنية التحتية الصحية. وهذا سيزيد حتما من رأسمالهم السياسي في أفغانستان، وكذلك رأسمال شركائهم الغربيين، الذين يقل احتمال اعترافهم علنا بحكومة طالبان في كابول أو أن يكونوا في وضع يسمح لهم بتقديم المساعدة المباشرة للشعب الأفغاني. كما لا تزال دول الخليج موطنا لعدد كبير من المغتربين الأفغان الذين تلعب تحويلاتهم الخارجية دوراً حاسماً في الحفاظ على الاقتصاد الأفغاني واقفاً على قدميه.
وعلى الرغم من أن هذا التحول المفاجئ في المنطقة يمكن اعتباره تهديدا لمجلس التعاون الخليجي، إلا أنه من الضروري أن تتشارك دول الخليج مع القوى المحلية الأخرى لإدارة الوضع. وينبغي لجميع الأطراف أن تعمل معاً لضمان استقرار المنطقة ومنع تدخل القوى الأجنبية. ويمكن أن يأتي هذا التدخل من خلال تمويل نظام طالبان للعودة إلى زعزعة استقرار المنطقة والحد من قوة دول مجلس التعاون الخليجي بسبب ذلك. وقد دعا مجلس التعاون الخليجي بالفعل إلى العمل على تحقيق تطلعات الشعب الأفغاني وإعطاء الأولوية لمصالحه من خلال عملية سياسية ومصالحة شاملة. كما دعوا جميع الأطراف إلى العمل على تحقيق الاستقرار والأمن والحفاظ على الأرواح والممتلكات، مؤكدين أن العدالة واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون هي أسس للمصالحة الوطنية وتحقيق السلام المستدام في أفغانستان.