
أظهرت صور ومقاطع فيديو رسمية الأمطار الغزيرة تغمر طريقاً سريعاً مزدحماً في دبي بالإمارات العربية المتحدة في مشهد غير مألوف في هذا الوقت من السنة ومع وصول درجات الحرارة إلى 50 مئوية.
ووفقاً للمركز الوطني للأرصاد الجوية بدولة الإمارات، فقد تم تعزيز هطول الأمطار من خلال عمليات الاستمطار الاصطناعي أو ما يسمى “تلقيح السحب” لزيادة منسوب الأمطار في الدولة الخليجية.
ما هي عملية الاستمطار؟
يقول خالد العبيدلي، رئيس قسم تطبيقات الاستمطار في المركز الوطني للأرصاد ومقره في العاصمة الإماراتية أبوظبي : تعتمد عملية تلقيح السحاب بشكل أساسي على استخدام شبكة رادارات جوية متطورة تقوم برصد أجواء الدولة على مدار الساعة ومراقبة بدء تكون السحب، بالإضافة إلى استخدام طائرات خاصة مزودة بشعلات ملحية، تم تصنيعها خصيصاً لتتلاءم مع طبيعة السحب من الناحية الفيزيائية والكيميائية، والتي تم دراستها خلال السنوات الماضية قبل البدء بتنفيذ عمليات الاستمطار. وتعد عمليات استمطار السحب من العمليات التي تستوجب الدقة في طريقة التلقيح حيث يتم توجيه الطائرة إلى المكان المناسب من السحابة وفي الوقت الملائم عند تكونها، وذلك لضمان الهدف المرجو من هذه العمليات، حيث يتم نثر مواد التلقيح وتبدأ عندها هذه المواد بتجميع قطيرات الماء لتصبح كبيرة الحجم ويصبح الهواء غير قادر على حملها لتسقط على الأرض على شكل أمطار.
كيف بدأ الاستمطار في الإمارات
بدأ المركز الوطني للأرصاد بتنفيذ طلعات جوية منذ العام 1999 بصورة منتظمة من خلال 4 طائرات لتنفيذ المهام الخاصة بالأبحاث والاستمطار وتلقيح السحب الركامية القابلة للتلقيح، وذلك لمحاولة زيادة كمية الأمطار وفترة الهطول، وتتم عملية تلقيح السحب في الأماكن التي تتواجد فيها التيارات الهوائية الصاعدة في أسفل قاعدة السحاب، والتي تعمل على نثر أملاح التلقيح ورفعها إلى الطبقات العليا من السحابة ووجود كميات كبيرة من بخار الماء في السحب.
حسب خالد العبيدلي فانه لا يوجد أي تأثير لهذه العمليات على النظام البيئي. المواد المستخدمة في التلقيح ليس لها أي تأثير مباشر أو غير مباشر في تلوث الأمطار أو تلوث الهواء، كما أن الأملاح المستخدمة في التلقيح ليس لها أي ضرر على البيئة ولا بالصحة العامة على الإطلاق، فهي عبارة عن كلوريد البوتاسيوم وكلوريد الصوديوم.
أهداف عمليات الاستمطار
وتهدف عمليات الاستمطار إلى زيادة الحصاد السنوي من مياه الأمطار ودعم الوضع المائي للدولة وزيادة معدلات الجريان السطحي للأودية وكذلك دعم المخزون الاستراتيجي من المياه الجوفية.
وتعد الإمارات من أوائل الدول في المنطقة التي قامت باستخدام تقنية تلقيح السحب التي تعتمد على أحدث الإمكانات المتوفرة على المستوى العالمي، والتي تعتمد على شبكة رادارات جوية متطورة تقوم برصد أجواء الدولة على مدار الساعة ومراقبة السحب.
التقنيات الحديثة
اقش الملتقى الدولي الرابع للاستمطار، المنعقد في أبوظبي على مدى ثلاثة أيام، مشروعاً بحثياً جديداً يتم تطبيقه داخل الدولة، لمراقبة ورصد عملية تلقيح السحب مباشرة، باستخدام طائرات الـ(درون)، التي تعمل على استشعار البيانات المتعلقة بمواقع السحب في الوقت الفعلي، واتخاذ قرارات التلقيح آلياً، موضحاً أنه يتم تزويد الطائرات بآلية تنثر مواد التلقيح الجاهزة للاستخدام، تصل حمولتها إلى كيلوغرامين.
وأفاد البحث بأن أكثر ما سيميّز طائرات (درون) المجهزة لتلقيح السحب، هو قدرتها على الطيران لمدة ثلاث ساعات متواصلة، مشيراً إلى أنه تم الانتهاء من تدريب فريق من موظفي المركز الوطني للأرصاد على عمليات تشغيل هذه الطائرات، نهاية العام الماضي، وأجرى الفريق رحلات استطلاعية ومسوحات ميدانية، بالتعاون مع المركز لتحديد المواقع المناسبة لتنفيذ الطلعات الجوية.
الخطط المستقبلية والأبحاث :
يعمل باحثون من جامعة ريدينج في بريطانيا بتمويل من برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار على تطوير تقنية للاستمطار باستخدام الطائرات دون طيار تعتمد على إطلاق نبضات من الشحنات في السحب لتتجمع عليها قطرات المياه وتسقط على شكل مطر. ويتوقع أن تنضم هذه التقنية في حال نجاحها إلى تقنية الاستمطار المعروفة باسم: تلقيح السحب، التي تستخدم فيها الطائرات لنثر مواد معينة في السحب (مركبات الملح ويوديد الفضة والجليد الجاف) كي تتكاثف قطرات المياه عليها وتسقط على الأرض.
ولدولة الإمارات تاريخ طويل في استخدام هذه التقنية، إذ بدأت منذ العام 1990 بتلقيح السحب، ما أدى إلى زيادة هطول الأمطار بنسبة تصل إلى 30 في المئة في بعض السنوات. ونقلت صحيفة «أرب نيوز» السعودية عن الدكتورة كيري نيكول، الأستاذة المساعدة في جامعة ريدينج والمشاركة في المشروع «إن أطلقت شحنة في سحابة، فستجتمع قطرات الماء على الشحنة بسرعة كبيرة. وأظهر نموذجنا الحسابي أن شحن هذه القطرات الصغيرة يزيد من احتمال اندماجها معًا بسبب القوى الكهروستاتيكية، فتصبح في النهاية قطرات مطر.»
ويرى فريق باحثي جامعة ريدينج أن استخدام نبضات كهربائية منخفضة الطاقة على قطرات المياه الصغيرة في السحب يحفز تشكل قطرات المطر. وأوضحت علياء المزروعي، مديرة برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار في الإمارات، أنه ستجرى في دبي قريبًا اختبارات على هذه التقنية التي تطور في المملكة المتحدة، وقالت «ستحمل هذه الطائرات أجهزة استشعار مخصصة وتطير على ارتفاعات منخفضة وتطلق شحنة كهربائية في السحب.»
وتستثمر دولة الإمارات في دعم أبحاث الاستمطار لإيجاد حلول لنقص إمدادات المياه العذبة فيها، إذ لا يزيد متوسط هطول الأمطار سنويًا فيها عن 100 ملم.
النتائج أمطار غزيرة بدبي
قامت “دبي” في يوليو بعملية ” الاستمطار الاصطناعي” وشهدت الإمارة في يوم 23 يوليو الماضي سقوط أمطار غزيرة في مشهد غير مألوف خاصًة مع وصول درجات الحرارة فوق 50 درجة مئوية.
ومن أجل تنفيذ تلك التقنية الجديدة، أطلقت “دبي” طائرات بدون طيار أعلى الغيوم والتي تُطلق جهد مُعين وشحنات كهربائية بقدر مَحسوب من أجل تجميع وتشكيل المطر قبل سقوطه على البلاد، حتى أن نتائج هذه العملية كانت أكثر مما توقعات المركز الوطني للأرصاد الجوية في دولة الإمارات العربية، فالأمطار تساقطت بغزارة حتى أنها كادت تتسبب في شل الحركة المرورية بالإمارة. بالطبع مع نجاح تلك التقنية، ستتمكن الدول العربية من حل أزمة درجات الحرارة المرتفعة، ومن الممكن أن نراها تُعمم في أرجاء الشرق الأوسط خلال الفترة القادمة.