
قد عمل مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي بشكل وثيق على جبهات متعددة منذ توقيع اتفاقية تعاون في عام ١٩٨٨، ونتيجة لذلك، يعقد مؤتمر سنوي لمناقشة القضايا الأكثر أهمية. وقد عقد مؤخرا الحوار السياسي السنوي بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي في دورته الثالثة والعشرين، وتصدر الأمن الخليجي جدول الأعمال، وحدثت مناقشة حول كيفية قيام الجانبين بحوار أكثر انتظاما وتفانيا حول هذه القضية. هذا الموضوع يسلط الضوء على أهمية أمن الخليج من نظر الاتحاد الأوروبي، بل أيضا من نظر المجتمع الدولي. وكان الهدف من المناقشة هو التأكد أيضا من أن دول مجلس التعاون الخليجي قادرة على الاستمرار في تنويع اقتصاداتها والاستمرار في الاستقرار في منطقة مليئة بعدم الاستقرار. كما يلعب الخليج دورا هاما في مكافحة الإرهاب في الوقت الذي يشكل فيه مركزا حاسما لحلف شمال الأطلسي وبصورة أكثر تحديدا للبعثات الأمريكية التي تتم في المنطقة.
أكد الدكتور نايف الحجراف المدير التنفيذي لمجلس التعاون الخليجي أن دول الخليج أكدت أنها ستواصل تنفيذ خططها لمستقبل أفضل لشعوبها ومناطقها لحماية مصالحها وتنويع اقتصاداتها وتحسين نوعية حياتها. وأكد أن أمن الخليج مهم للعالم. وأوضح أهمية دول مجلس التعاون الخليجي على المستوى العالمي بالقول إن مجلس التعاون الخليجي كان في مجال الأعمال منذ إنشائه بقوله ان دول الخليج هي الرائدة في المنطقة في مكافحة الإرهاب وتحقيق التوازن في سوق الطاقة وتحقيق مصالح المنتجين والمستهلكين على حد سواء. وتطرقت المناقشة أيضا إلى أثر وباء الكورونا والخطط والإجراءات المستقبلية القائمة للتغلب عليه والمضي قدما في محاولة لمواصلة التحسن والازدهار.
وبعيدا عن المسائل الداخلية المتعلقة بدول مجلس التعاون الخليجي، فإن الموضوع الخارجي الرئيسي الذي تمت مناقشته هو التوترات في الخليج العربي، مع الهجمات المنتظمة على البر والبحر من قبل إيران. وبناءًا على ذلك، فإن القلق بشأن دور إيران في المنطقة هو إحدى القضايا الرئيسية التي يتقاسمها الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، حيث أن كليهما مهتم بمحاولة تعديل سلوك طهران ليكون متسقا مع المعايير الدولية. وفي هذه البيئة الهشة، لا ينظر إلى الاتحاد الأوروبي عموما على أنه قوة، ولكنه مع ذلك مجهز بموارد معينة. وينبغي للاتحاد أن يستعد، بما يخدم مصالحه ومصالح البلدان المعنية، لدعم إنشاء آلية إقليمية للأمن الجماعي. وبهذه الطريقة، يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يؤثر على نفوذه إذا ما ظهرت فرصة للمحادثات. الأمن الجماعي هو محور التركيز الرئيسي في حين أن النظام الإيراني، على وجه الخصوص، أظهر مرارا وتكرارا من خلال هجماته المفترضة على الدول المجاورة أنه لا يمكن لدولة أن تكون آمنة حتى تكون جميع الدول تشعر بالأمان. وكان أبرز هجوم وقع مؤخرا هو هجوم طائرة بدون طيار في سبتمبر ٢٠١٩ على منشآت سعودية لمعالجة النفط في بقيق وخريص. وكان رد فعل الرياض المقيد جدا مؤشرا قويا على فهم القيادة السعودية أنه من الأفضل لها أن تتصالح مع طهران بدلا من زيادة التوترات باستمرار من خلال سياسة الضغط الأقصى التي تنتهجها الإدارة الأمريكية آنذاك.
وعلى نطاق ذلك فإن الأمن الجماعي يختلف عن الدفاع الجماعي، الذي يستهدف عدوا مشتركا، وليس أعضاء الجماعة نفسها. وقد وقع التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط، الذي سعت إليه الإدارة الأمريكية السابقة أيضا، في فئة الدفاع الجماعي لأنه كان يهدف بوضوح إلى مواجهة إيران. ولم يتحقق حتى الآن مثل هذا التحالف، الذي تشكله في المقام الأول دول مجلس التعاون الخليجي. ولا يرجع ذلك إلى عدم استعداد الولايات المتحدة للالتزام بأمن الدول العربية على غرار حلف شمال الأطلسي فحسب، بل أيضا إلى الخلافات الداخلية بين تلك الدول حول التهديد الأمني النهائي. وبالنسبة للبعض، فإن الخطر الأكبر هو الدولة الشيعية المتوسعة على الجانب الآخر من الخليج، في حين أنها بالنسبة للآخرين هي المملكة السنية المسيطرة إلى جانبهم. ولا يوجد مخطط لما ينبغي أن يبنى عليه نظام الأمن الجماعي. صحيح أن هناك ممارسات راسخة، مثل المشاورات والبروتوكولات، ولكن إنشاء هذا النوع من النظام يجب أن يكون فريدا من نوعه في سياقه الخاص. ولذلك فإن أي ترتيب أمني للمنطقة لن يكون بشأن إنشاء ما يعادل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا الجاهزة لمنطقة الخليج؛ بل سيكون بمثابة مسألة إعادة بناء منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. بل إن الأمر يتعلق بالاتفاق على تدابير خفض التصعيد وبناء الثقة.
وثمة شاغل رئيسي آخر يتشارك فيه الجانبان، وهو خطر الأسلحة النووية وتأثيرها على استقرار المنطقة بالإضافة الى النشاطات العسكرية والتمويلية الأخرى التي تقوم بها إيران. وشدد الدكتور نايف الحجراف على أن البرنامج النووي الإيراني والصواريخ الباليستية ودعم إيران للميليشيات يجب أن تدرج أيضا في المحادثات الجارية في فيينا ويجب ألا تقتصر على إحياء الاتفاق النووي. بالإضافة إلى ذلك، قال مجلس التعاون الخليجي إن المفاوضات يجب أن تشمل أكثر من البرنامج النووي وأشاروا على وجه التحديد إلى رعاية إيران للميليشيات الإرهابية والطائفية، وبرنامجها الصاروخي، وتهديدات إيران المزعومة للممرات الملاحية الدولية. كما طالب مجلس التعاون الخليجي بالمشاركة في أي مفاوضات دولية مع إيران وكرر معارضته لإيران للحصول على سلاح نووي او الزيادة في تطوير برنامجها النووي. وعلى اثر ذلك، فلطالما كانت الدول العربية في الخليج قلقة بشأن سياسات إيران في المنطقة، وفي العام الماضي، طلب مجلس التعاون الخليجي من الأمم المتحدة تمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران. ومع تزايد التوترات في المنطقة إلى جانب عدم وجود خطط ملموسة لمعالجتها، سيراقب العالم بشغف كيف سوف تتطور هذه القصة في المستقبل القريب.